في إحدى الليالي الصيفية الحارقة ، وبعد عناء يوم طويل من العمل المتواصل توجـهت إلى فراشـي وهممت بالنوم ، بالطبع لم أنس دعاء الخلود إلى النوم الذى عودتني والدتي منذ صغري على ترديده ، ذهبت في نوم عميـق ، لم أنم بهذه الطـريقة مطلقاً في حـياتي!! ، فاليوم أحسـست براحة عجيبة في نومي ، وفجأة !! .. قطع نومي العميق حلماً !! ، لم يكن حلماً عادياً ، كان الحلم يصورني وأنا نائم وأحلم بأن الله أماتني وأنا نائم .. فحاولت تحريك جسدي من أجل الاستيقاظ فلم أستطع ، حينها أدركت بأنها نهايتي ونطقت بالشهادتين .. وكأنها الكلمات السحرية !!.
بعد نطقي للشهادتين بدأت أشعر بالعالم الخارجي المحيط بي ، ولكن للأسف دون أن أشارك به كما تعودت ! .. بكاء وصراخ وعويل .. الجميع حزين على فراقي ، والدي أصابته حالة ذهول وسقط فاقد الوعي ، وأمي تصرخ وتبكي .. وأخوتي يهرولون من حولي لايعلمون ماذا يفعلون ! .. الجميع تيقن أنني قد انتقلت الى الرفيق الأعلى ، وهذا كان معناه أن الرحلة قد بدأت !! .. الرحلة التي طالما انتظرتها لأرى وجه الكريم .
بدأتُ رحلتي وأنا متشوق لرؤية الله الحي الذي لايموت و .... ماهذا البكاء ؟ .. هذا بكاء أصدقائي وأحبابي علي !! .. والله يا إخواني ليس لي يد في هذا ، هذا قضاء الله وقدره وسوف أشتاق اليكم ؛ ماذا هناك ؟ .. ماهذه المياه التي تغمرني ؟؟ .. لابد أنهم يغسلونني الآن ، أتمنى أن يحافظوا علي وألا يفشوا أسرار جسدي لأحد .. آآآآه ماهذا ؟؟ .. أشعر بجسدي يلتصق ببعضه !! . لابد أنهم يكفنونني الآن ، لازالت عائلتى تبكي علي .. أتمنى أن تكفوا عن البكاء علي ، فأنا ذاهب إلى الحي الذى لايموت ، لا أدري لماذا لايقابل الانسان المفارق للحياه المتجه إلى ربه نفس الفرحة التي تقابله عند مولده !! ، ماذا هناك ؟؟ .. لماذا وقفوا هنا ؟!! .. هل هي نهاية الرحلة ؟!! .. رحلتي فى عالم الأحياء ؟!! .. وهل هي بداية رحلتي إلى عالم الأموات (دار الخلود) ؟!! أسئلة كثيرة استوقفتني ولم أجد اجابه !!.
آآآه .. ماذا بكم تضعون رمال حولي ، آآآآه .. الدنيا ظلام ، آآآآه .. الآن وقد أنهيت حياتي السابقة فى الدنيا ، ماذا علي أن أفعل الآن ؟!! .. آآآآه .. ياليتني ماكنت شارد الذهن هكذا !! .. لقد حدثني والدي كثيراً عن هذا الموقف وقال لي ماذا أفعل حينها !! .. ولكنني لا أستطيع التذكر !!! .. أنقذني يا إلهي .. ماذا أسمع ؟!! ، إنه والدي يدعونني بالثبات أثناء نزول الملكين ويردد علي ماقد نسيته ، ياااااه ياوالدي العزيز ، لا أعلم ماذا كنت سأفعل بدونك ؟!! ، إنك بالفعل رجل طيب وتحبني .
ماهذا الصوت ؟!! .. وفجأة وجدتُ ملكين يعجز لساني عن وصفهما فهما فى قمة الجمال والروعة ويحيط بهما نور مبهر قوي ، إذا فهما الملكين الحارسين لي والآن يأتون لسؤالي عن حياتي السابقة ، سألوني عن ربي فأجبت بدون تردد الله الواحد القهار الحي الذي لايموت ، لم يلد ولم يولد ، سألوني عن نبييى فأجبت بدون تردد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ، وبعد أسئلة كثيرة جداً الحمد لله قد تمكنت من الاجابه عليها جميعا والفضل لوالدي الذي علمني الصلاة والصوم والذكاة والذي منحني الفرصة لأعتمر لله .
فجأة وجدت باب يظهر في الفراغ !! ، ووجدت الملكين يشيران لي بعبور الباب ، وعندما عبرت الباب وجدت أشياء مهوله !! ، وجدتني أمشي على طريق رفيع وعلى جانبيه الجنة والنار !! .. كانت هناك سيدات عرايا معلقات من رموشهن ويٌسْلخنَ في النار !! ؛ فسألتٌ الملكين منْ هؤلاء ؟!! .. فأجاباني بإنهم الذين فضلوا الدنيا على الآخرة وتاجروا بأجسادِهِنَ في الحرام من أجل المال ، ومضيت في طريقي فوجدتُ رجالاً يحرقوا حتى لايتبقى منهم سوى الفتات !! ؛ ثم أحياهم الله !! ؛ ثم أحرقهم ثانية واستمروا على هذا الحال .. فسألت الملكين منْ هؤلاء ؟!! .. فأجاباني بأنهم منْ سعوا فى الأرض فسادا وقتلوا الناس بغير حق ، ومضيت في طريقي ورأيت أقواماً في النار معلقين في جذوع من نار فسألت الملكين منْ هؤلاء ؟!! ، فأجابانى بأنهم الذين يشتمون آباءهم وأمهاتهم في الدنيا ، ومضيت في طريقي ووجدت رجالاً ما إن يرموا البذرة فى الأرض حتى تنبت طارحة الأثمار اللذيذة ، فسألت الملكين من هؤلاء ؟!! فأجاباني بأنهم الذين فعلوا الخير في الدنيا ولم ينتظروا الجزاء ، ومضيت في طريقي وشاهدت أناس كثيرة جدا وتمنيت أن أكون في الجنة مع الأخيار ، ووصلت إلى نهاية الطريق ووجدت بابا ، فهممت بعبوره ، فأخبرني الملكين أني غير مسموح لي بعبور الباب إلا بعد أن يغمرني الله برحمته ، فدعوت الله وسجدت له بأن يغفر لي ويسامحني وأن يدخلني جنته ، وفجأة توهج الباب بنور مهيب ، ووجدت الملكين يباركان لي على غفران الله لي وسماحه لي بدخول الجنة ، فسجدت لله شاكرا إياه على نعمته علي ، وعبرت الباب .
ياااااه .. ماهذا الجمال ؟!! .. لا أقدر على وصف المكان أشجار مليئة بالفواكة في كل مكان والخضرة في كل مكان ومنازل رائعة الجمال وخيرات كثيرة ، والناس متحابين ويمرحون ويتضاحكون سوياً ، المساجد في كل مكان ، الجميع يعبد الله ويشكره على نعمه التي أنعم بها عليهم ، ووجدت الناس جميعاً يتجهون الى مكان ، فهمت منهم إنهم ذاهبون لرؤية الله الواحد القهار ، فهممت بالذهاب معهم لرؤية وجه الكريم وعندما قاربت على الوصول إذ حدث .. استيقظ !! ، سمعت هذه الكلمة تدوي في أعماقي فلم أفهم معناها ، وفجأة وجدت نفسي مستلقي على فراشي ووالدتي أمامي تدعوني للنهوض من هذا النوم الطويل لكي أذهب إلى عملي .. لم أصدق نفسي أنني لازلت في هذا العالم ومازلت مع أصدقائي وأحبابي فنهضت سريعاً مقبلاً والدتي طابعاً على وجنتيها قبله حب وشوق ولهفه ، أحسست بالدنيا تضحك لي فأقبلت لها باسماً ، والدي العزيز وجدته لايزال يقرأ صحف الصباح كالمعتاد فقبلت يداه وتمنيت له حظ سعيد ، وأخوتي لازالوا يستعدون للذهاب إلى مدرستهم ، لِكَمْ أشتقت لَكُمْ يا أخوتي هذا ماقلته فى قراره نفسي وأنا متوجه إليهم لأداعبهم قليلا قبيل ذهابهم لمدرستهم .. ما هذا الصوت ؟!! .. إنه صوت أعز أصدقائي يناديني من المنزل المقابل .. ياااااااه الجميع يحبونني لِكَمْ أشتقت لَكُمْ يا أصدقائي ، ولكن في قرارة نفسي أحسست بغصة في حلقي .. فقد كنت أتمنى لقاء الله والبقاء فى جنته ، ولكن قدر الله وما شآء فعل .. سأصلي الآن صلاة شكر لله على نعمه علي ثم أمضي في طريقي .. طائعاً لربي .. مخلصاً لله .. ومحباً للجميع .
______________________________________
بقلمي ..
أنتظر نقدكم للقصة فهي ما احتاجه لتطوير نفسي
مع تحياتي
ك/حسام هورا